عن حديقة إستوائية

للشاعرة الجاميكية أوليف سنيور

1

مأمون الزائدي

هذه قراءة سريعة لهذه المجموعة الشعرية المميزة أضمّن طيها الاسباب الجلية التي دعتني الى ترجمتها الى اللغة العربية، فهى في الحقيقة قصيدة طويلة تتحدث بعدة أصوات مرتجلة تجمع بين الغناء والتعاويذ، والحكاية الشعبية، والرمز والسرد التاريخي الرائع. هذا الصوت الشعري المميز ينبغي ان لا يحجب عن القاري العربي الذي تعوّد على ولوج عوالم جميلة مميزة وخاصة يصنعها الادب في كل مكان من هذا العالم الفسيح.

هذه المجموعة الشعرية هي تأكيد لإعجاب الشاعرة الجاميكية أوليف سنيور بالمكان باعتبارها واحدة من ألمع شعراء البحر الكاريبي في عالم الكتابة اليوم. فمن وضوح الفكرة في نصها وقدرتها على بناء خط درامي دقيق، والتزامها المباشر بالقضايا السياسية وهموم الوطن التي تجعل من هذه المجموعة موضع ترحيب، و من الإضافات المهمة لما يعرف بكتابة جزر الهند الغربية.

حديقة استوائية هى عبارة عن سلسلة شيدت بعناية من القصائد: “فحكايات المسافر” مثلا هي مجموعة مختارة من القصائد  تستكشف الآم وملذات الهجرة والحركة المستمرة لسكان منطقة الكاريبي، وفي الوقت نفسه،سرداً لوقائع التاريخ العائلي لاحدى الأسر الريفية البسيطة من خلال معاناتها المؤلمة مع الأعاصير. أما “الدراسات الطبيعة”، فهي سلسلة خفية من القصائد البارعة تتوسع في طرح موضوعات الطبيعة والبيئة.

هذا الديوان “حديقة استوائية ” يحوي قصائد تعتمد على الاستفادة من صوت الكلام الطبيعي للتعبير عن تقلبات الذين يعيشون في “فضاء العالم الثالث” تحت التأثير الطاغي للتاريخ الاستعماري والحاضر الاستغلالي الإمبريالي. الجزء الاخير من الديوان هو تحية إلى الآلهة الأفريقية والذي يقرأ مثل سلسلة من الصلوات أو قصائد المديح ، يمكن للمرء ان يحصل على انطباع بأن هذه المتتاليات أو الحركات هي كيانات مستقلة بدون وجود تماسك موضوعي أو أسلوبي. ولكنها ليست كذلك. فالشاعرة تحسن استخدام الأصداء، تكرار التيمات، والذكاء الملمح في كونه روحياً مرة وواقعياً في حين آخر لخلق نمط واضح وجلي من السفر والاكتشاف في المجموعة بأكملها.

هذه المجموعة مميزة بسبب قدرة الشاعرة على تحقيق التوازن بين الدعوة السياسية، في قصائد مثل “تأملات في الأصفر” و “الأمازونيات” و المعانقة الحميمة بعمق الروح والقلب، كما في القصيدة المؤثرة ” قصة إعصار” التي تحكي قصة الأم التي تهاجر إلى إنجلترا لصنع حياة أفضل لابنها، و ما يبدو انه سيرة ذاتية ساخرة بشكل حاذق كما في قصيدة ” بكل وضوح 1928″، والتي تنتهي بالعبارة التي تقول:

أسلوبه وذهبُ الأكوادور

قد جلبت له

فتاة حديثة السن

من أجود عائلة

في كنجستون

وقد تزوجا

هو بطوية نقية

وهي ببشرة

أكثر نقاء

بكثير.

من أهم ادوار سنيور الشعرية في هذه المجموعة هو دور الحكواتية. هذه هي الطريقة الوحيدة لوصف ما تقوم به في كثير من القطع السرد ية، وهناك الكثير منها. فهي تضمر الأفكار والتأملات الفلسفية العميقة، وتوردها في بعض السرد الذي يضم طبقات المعنى المتعددة. ثم يتحول هذا السرد من مجرد حكاية شعبية كالطيران الخيالي في قصيدة “البامبو”، إلى البانوراما التاريخية المنتقاة والموسعة في قصائد مثل “التأمل بالأصفر” و ” الزراعة في حالة فرار “.

في حديقة استوائية، والتي تتنقل فيها الشاعرة من شخصية إلى اخرى مع إيلاء القليل من الاعتبار لإنشاء واجهة من المصادقية الناجمة عن السيرة الذاتية. في الواقع، هذه الرغبة في مضاعفة الأشخاص المضمنة في الراوي “أنا” يمنح عملها يقينا وصدقا فهي بكل سعادة، ودون اعتذار، تعلن أصوات الرجال والنساء، السكان الاصليين لشمال أمريكا والأفارقة، نساء الأمازون، والمارون وغيرها الكثير على نحو يستوعب كشف الشاعرة عن روحها وشفافيتها بطريقة أكبر. “أنا” الراوي ليست غريبة، أبدا أو بعيدة من الشاعرة اوليف سنيور. ونتيجة لذلك، فإن العديد من الأصوات تبدو مثل تنويعات لمخيلة واحدة. من بعض قطع السيرة الذاتية المؤثرة مثل “التأمل بالأحمر،” قصيدتها عن مواطنتها الروائية الرائدة جان ريس، والمكتوبة بشكل حاذق كقصيدة “البامبو”، التي تتأمل في مرحلة الطفولة وعزلة سنيور الشخصية، والتي تغامر فيها باظهار ضعف العاطفة والفكرة، ما نقل هذه القصائد من مجرد حيلة للمعيشة الى قص حي يتنفس.

هذه القيمة، كما أظن، تتيح لنا رؤية جديدة لافكارها الأيديولوجية التي ستبدو في سياق آخر قديمة ومعادة. على سبيل المثال، قصيدتها “رؤية النور” هي عن الجدل الصارخ حول اغتصاب البيئة من خلال المشار له “أنت” و “أنتم ” كونها تعبر عن المستغل الأبيض. ولكنها في اماكن اخرى من الكتاب تتناول مواضيع أكثر تعقيدا مثل قصائد “شجرة الحياة” والحكاية الشعبية ” الوان الطيور،” بحيث تمت تغذية حديثها عن البيئة والوطن بمزيد من العمق. أعتقد أن هذا النهج نجح إلى حد كبير لأن روح “حديقة استوائية ” التي جاءت منها جميع هذه القصائد، هى في الحقيقة قصيدة طويلة تتحدث بعدة أصوات مرتجلة تجمع بين الغناء والتعاويذ، الحكاية الشعبية، والرمز والسرد التاريخي ا لرائع.

النقطة الاخرى المهمة في هذه المجموعة تكمن في اعتناقها على نحو لا يتزعزع الروحانية الافريقية. في مجموعة حديقة استوائية، تعتبر الروحانية الافريقية هي الأساس الذي يدعم هذه القصائد. فهي تتحدث في احتضان أكبر عن التصوف الذي يعتنقه السكان الاصليين الموجود في الثقافات الأصلية، في الوقت الذي تحتفل فيه بوجود أفريقيا في الطقوس والممارسات التي تجري في منطقة البحر الكاريبي. وهكذا، حديثها حول اللاجئين الهايتيين هو في جزء كبير منه حديث عن سياسة الهروب لأنها احتفال بروح البقاء الواردة في طقوس الفودو الهايتية:

إلتمست أمي المستقبل

بقراءة حوض ماء

وقالت:

السماء صافية جداً

لا شيء يُمنح هنا

قلت: (أجو) يا إله البحر

يامن بيدك مصيري

لا يمكنك إبقاء رجل طيب

في الأسفل

إذا وُلِدتَ لتُشنق

فلن تتمكنَ من الغرق.

والشاعرة في نفس الوقت، تنتقد الخطاب ما بعد الاستعماري و تتحدى بشكل جاد فرضية ما بعد الاستعمار كواقع أساسي للمجتمع الكاريبي. فقصائدها التي تحتفل فيها بالآلهة الأفريقية، على سبيل المثال، هي غير مرتبطة إلى حد كبير مع نظيراتها المسيحية. و بدلا من ذلك، تمجد الاتصالات بين الناس من كل الشتات الأفريقي بطريقة تتحدث فيها عن الأصل والانتماء، واللغة تسمو في هذه العملية، وتفسد فرضية الخنوع لمرحلة ما بعد الاستعمار، والتي تموضع المنشأ والهوية داخل الفضاء الاستعماري:

أم المنابت /حارسة الممرات / خالقة الحياة الجديدة

في مياه الطوفان

 النشوة

 الولادة

والتعميد

إستدعي أولادك

واجلبي المطر……

من شاطيء الكاريبي

إلى انغولا البعيدة

ستنشر معطفها الأزرق

لتدعنا نعبر.

وربما كانت سنيور على حق عندما صرحت “لعل هذا هو أفضل أعمالي الأدبية حتى الآن.” هذا العمل المميز لاحدي افضل شاعرات جزر الهند مجموعة شعرية مميزة وتستحق كل الاهتمام.